08‏/04‏/2012


( شهد عيد عبدالرحمن الشهري
الباب الثاني : التفكير السلبي  128-148 + قآئدة القروب الثآنية )

التفكير السلبي

كان أحد تلاميذ الحكيم زينو دائم الشكوى من كل شيء ومن أي شيء، وفي أي وقت حتى ابتعد عنه الناس وأصبح وحيدا فشكا أمره لزينو وقال له أن الناس يغارون منه ويحقدون عليه وهنا طلب الحكيم من الشاب أن يسير معه وبالفعل سارا معا حتى وصلوا الى طريق مظلم، فطلب زينو من الشاب أن يسلك هذا الطريق بمفرده وأنه سيقابله من الناحية الأخرى، وتعجب الشاب وسأل الحكيم لماذا سلك هذا الطريق المظلم وأترك الطريق الاخرى التي بها نور يساعدني على الوصول إلى المكان الذي أريده؟
ولم يرد الحكيم الصيني على سؤال الشاب بل كرر نفس الجملة التي قالها من قبل “سر في هذا الطريق وسأقابلك في الناحية الاخرى ثم ترك الشاب بمفرده! فبدأ الشاب في السير في الطريق وقد كان فعلا مظلما لايستطيع أن يرى أي شيء على الاطلاق حتى يديه أو أين يضع قدميه وكان يكلم نفسه ويسأْل: لماذا طلب مني الحكيم أن أسلك هذا الطريق؟ هل هذا امتحان أم أن الرجل كبر في السن وأصبح لا يعرف مايقول؟
وأثناء ما كان يفكر ويكلم نفسه اصطدم بقوة في حائط صدمة قوية جعلته يصرخ من الألم وأيضا من الغضب، فابتعد عن هذا المكان واتجه الى مكان أخر ولكنه لم يكن يعرف أي اتجاه يسلك لكي يخرج من هذا المكان، ولم يعرف من أين أتى وأصبح في حيرة من أمره ولكن سار في الاتجاه المعاكس وهو يشعر بالغضب الشديد تجاه ذلك الحكيم ويفكر في كل السلبيات الممكنة حتى اصطدم وجهه في حائط أخر فصرخ من الصدمة وبدأ يسب الحكيم ويلومه على مافعل به وسلك طريقا اخر وهو يكلم نفسه كلاما سلبيا ويسب الرجل الصيني ويلومه وأيضا يلوم نفسه على أنه سمع كلام هذا المعتوه، فسقط في حفرة عميقة فصرخ من المفاجاة والألم وبغضب شديد راح يسب الرجل الحكيم بأسوأ الأسماء وحاول أن يخرج نفسه من الحفرة فلم يستطيع فبكى من وضعه وجلس في مكانه وشعر بالضياع والخوف حتى أغمي عليه من شدة الصدمة.
وعندما أفاق من الصدمة بدأ يصرخ بأعلى صوته طالبا النجدة من الذي سيسمعه وهو في هذا المكان ففقد الأمل وظل في مكانه، وبعد فترة من الزمان وجد ضوء شمعة يأتي من بعيد وصرخ بكل قوته ليطلب النجدة وجاء الشخص أمامه وكان الحكيم زينو شخصيا وساعد الشاب على الخروج من الحفرة وصحبه إلى خارج الطريق وهناك أوقف الشاب الحكيم وسأله “أريد أن أعرف لماذا فعلت بي ذلك” ولم يرد الحكيم فكرر الشاب السؤال وهو غاضب، فرد زينو بسؤال الشاب: مالذي تعلمته من تجربتك؟ فرد الشاب بغضب وقال “أنه لا يجب علي أن أسمع كلام أحد أو أثق بأحد بعد اليوم” فمشى زينو ولم يرد على الشاب، وهنا وقف الشاب أمام الحكيم وقال “أعرف ان هناك درسا لما حدث وأرجو أن تعذرني لأنني عانيت كثيرا جدا في هذا الطريق فأرجو منك أن تعلمني وتنصحني”
وهنا قال زينو هذا هو ماتعلمت أيها الشاب وهذا هو الدرس، إن أسلوبك الأخير هو السبب الذي جعلني أرد عليك لانه كان أسلوب مهذب وايجابي وله هدف تستفيد منه أما عن الطريق المظلم الذي طلبت منك أن تسلكه فهو يمثل أفكارك السلبية والحائط الذي اصطدمت ليس إلا نتيجة أفكارك السلبية، والحفرة التي وقعت فيها كانت هي الأخرى نتيجة افكارك السلبية فاقترب الحكيم من الشاب ونظر في عينيه وقال: هذا هو التفكير السلبي أيها الشاب يجعل الإنسان لا يرى الطرق المضيئة بل يجعله يسلك الطرق المظلمة التي لا يجد فيها مخرجا يصطدم بكل مايؤلمه ويجعله يشعر بالضياع والفشل والألم والغضب وكل شيء سلبي ينجذب إليه من نفس نوع أفكاره لذلك إذا أردت فعلا أن تكون حكيما يجب أن تعرف أن في داخلك يعيش ألد أعدائك وهي أفكارك السلبية، عندما تعرف كيف تتحكم فيها ستجدها تعمل لصالحك تماما مثل الحصان الشارد الذي يستطيع أن يقتلك بخبطة واحدة ولكنك لو علمته يصبح صديقا نافعا. وتذكر أن أفكارك من صنعك أنت لن يستطيع أي إنسان على وجه الارض أن يغيرها لك، ولكنك أنت الوحيد الذي يستطيع أن تغيرها وتجعلها تخدمك وتساعدك على الاتزان والسعادة .”



مسببات التفكير السلبي :
1/ البعد عن الله سبحانه وتعالى :

الحياة المادية التي نعيش فيها والمنافسة القوية التي نراها حولنا والتغيير السريع جعل معظم الناس يضيع مع التحديات ويبعد عن الله سبحانه وتعالى سواء كان يدرك ذلك أم لا .
هل تعرف أحدًا حياته عبارة عن سلسلة من المشاكل والمتاعب والصعوبات, وكلما خرج من مشكلة دخل في مشكلة أخرى؟ إذا كانت إجابتك نعم, هل تعرف ما هو السبب الأساسي في ذلك؟ هو بعده عن الله عز وجل, فالذي يبعد عن الله عز وجل تكون الدنيا أكبر همه وحياته ضنكًا مملوءة بالسلبيات, وقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم: ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى ) .

2/ البرمجة السابقة :

هل سمعت عن هذه التجربة: أن شخصًا أراد أن يقود سيارته فعمل كل شئ كما هو المعتاد ثم ضغط على بدال السرعة ولكن السيارة استمرت في عدم الحركة ثم وجد أن فرامل اليد كانت مشدودة؟!
إن البرمجة السابقة السلبية تعتبر مثل فرامل اليد فكلما حاولت أن تتحرك إلى الأمام تشدك بقوة إلى الخلف أو تجعلك تقف في نفس مكانك لا تستطيع الحركة, فإن أول سبع سنوات من حياتنا تكونت لدينا خلالها أكثر من تسعين بالمائة من قيمنا الراسخة التي اكتسبناها من الوالدين والمحيط العائلي, ثم بعد ذلك المحيط الاجتماعي والمدرسة والأصدقاء وهكذا, فلو كانت برمجتنا في هذه السنوات السبع الأولى سلبية فهي تؤثر بشدة على حياتنا في كافة النواحي, فمثلًا من الأشياء التي قد يكون الإنسان قد تبرمج عليها هي عدم محاولة فعل أي تغيير؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى الفشل, فنجده يتفادى أي تغيير حتى لا يواجه الفشل .
3/ عدم وجود أهداف محددة :
ويوجد هناك خمسة أنواع من الناس :

النوع الأول : أشخاص لا يعرفون مايريدون :

هذا النوع من الناس يعيش حياته مثل ورقة شجر يأخذها الريح أينما شاء, فهم لا يعرفون مايريدون من الحياة, فتجدهم دائمي الشكوى من أن الحياة صعبة جدا, وتجد هذا النوع من الناس لا يفعل أي شيء لكي يتقدم في حياته فهو لا يقرأ ولا ينمي خبراته ومهاراته ولا يفعل أي شيء إيجابي لكي يحافظ على صحته, ولغته الأساسية هي الشكوى الدائمة .
النوع الثاني : أشخاص يعرفون مايريدون ولكنهم لا يفعلون أي شيء للحصول عليه :

هذا النوع من الناس عنده علم تام بأهدافه وما يريد بالتحديد ولكنه لا يأخذ أي خطوة إيجابية لكي يحقق هدفه وتجد هذا النوع يعاني نفسيا أكثر من النوع الأول لأن النوع الأول لا يعرف أي شيء عن الأهداف, ولكن النوع الثاني عنده المعرفة ولكنه لا يفعل أي شيء لكي يحققها فتجده يقارن بينه وبين الآخرين ولغته الأساسية هي النقد واللوم .

النوع الثالث : أشخاص يعرفون مايريدون وعندهم أهداف محددة ولكنهم لا يثقون في قدراتهم   :

هذا النوع من الناس يعرف تماما ما يريد ومتى يريده وكيف يستطيع أن يحققه ولكنه لا يعتقد أنه يستطيع أن يحققه فتقديره الذاتي ضعيف وصورته الذاتية ضعيفة وثقته في نفسه تكاد تكون معدومة ويخاف من الفشل والسخرية, هذا النوع يعاني أكثر من النوعين الأولين وذلك لأن عنده علما ومعرفة أكثر ولكنه لا يجد الشجاعة في نفسه لكي يأخذ الخطوات الإيجابية لكي يحقق أهدافه,ولغته سلبية مملوءة بالحقد على الناجحين والشكوى من حالته النفسية .

النوع الرابع : أشخاص يعرفون بالتحديد مايريدون ولكنهم يتأثرون سلبيا من العالم الخارجي :

هذا النوع من الناس يعرف جيدا ما يريد وعنده أهداف محددة وتخطيطه دقيق ولكنه ضعيف الشخصية فهو يتأثر بسرعة بآراء الآخرين مما يسبب له تغيير خطته في تحقيق أهدافه لذلك تجده لا يستخدم قدراته ومهاراته ولا يتقدم كثيرا ولا يحقق إلا القليل من أهدافه, لذلك تجده عصبي المزاج دائم الشكوى ممن حوله, لغته سلبية وثقته في نفسه ضعيفة ولكنه لا يكف عن إعطاء الآخرين الفرصة في التدخل في حياته الشخصية ممن يسبب له الشعور المستمر بالضعف .

النوع الخامس : أشخاص يعرفون مايريدون ويذهبون وراء أهدافهم بقوة حتى يحققوها:

هذا النوع من الناس يعرف تماما ما يريد ويخطط لأهدافه ثم يذهب وراءها بكل قوته ولا يتركها حتى يحققها بإذن الله, وهذا النوع من الناس يعلم جيدا قانون الرجوع الذي يقول" ما تفكر فيه وتفعله يعود إليك من نفس نوعه" لذلك فهؤلاء الناس يحققون أهدافهم ويعيشون أحلامهم .

/4الروتين السلبي :

كل منا يعيش في روتين معين وفي محيط عائلي واجتماعي ومهني محدد وكل منا يشعر بعدم الراحة وعدم الأمان لو حدث تغيير في حياتنا لذلك يحرص كل إنسان على أن تكون عنده منطقة أمان تجعله يضمن بقاءه ولكن من الممكن أن تتحول هذه المنطقة إلى روتين سلبي ينعكس على الشخص نفسه ويجعله يخرج عن حيز الاتزان   .
والروتين السلبي يعني أن الشخص يفعل نفس الشيء بنفس الطريقة في كل لحظة من حياته بدون أن يكون هناك أي تغيير على الإطلاق, فالشخص الذي يعيش في روتين سلبي يفقد الاهتمام بعمله وبكل شيء حوله ولا يجد أي طعم لأي تغيير ويصاب بالاكتئاب  .

5/ المؤثرات الداخلية :

من أكبر التحديات التي قد يواجها الإنسان في حياته هي تحدياته مع نفسه, أي أن التحديات لا تحدث من العالم الخارجي سواء كان ذلك من الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء, ولكن يحدث بسبب التحديات والمؤثرات الداخلية , ومن أخطر هذه المؤثرات هي التقبل الذاتي لأنه من أهم أسباب التعاسة التي قد يشعر بها الإنسان .

6/ المؤثرات الخارجية  :

أن المؤثرات الخارجية التي تأتي من الأقارب والأصدقاء وأيضا وسائل الإعلام قد تؤثر فينا بقوة وتحرك أحاسيسنا وتسرق منا أحلامنا وتجعلها عرضة للضياع والتفكير السلبي.للأسف الشديد المؤثرات الخارجية قد تكون من أهم عوامل ضياع الأهداف والتفكير السلبي الذي يؤدي إلى الإصابة بكافة الأمراض النفسية وأيضا العضوية .

7/ العيش في الماضي :

معظم الناس تعيش في الماضي فلو كانت تجاربه سلبية فهو يشعر بالحزن في وقته الحالي مع أن ما حدث له كان في الماضي ولو كانت تجارب الماضي إيجابية ويقارن الشخص بين هذه التجارب وكيف أنه كان سعيدا ويقارن بين ذلك الوقت وبينه في الوقت الحاضر, فيسبب لنفسه الشعور بالإحباط بسبب هذه المقارنة"
والحقيقة أننا جميعا نفكر في الماضي من وقت لآخر وأن معظم مشاكل الناس تأتي من شيئين "الماضي والمستقبل" وعندما نفكر نجد أنهما ليس لهما وجود, فالماضي انتهى بكل ما فيه من خير ومن شر فلو تعلمت منه أصبحت ماهرا في التعامل مع الحياة وإن لم تتعلم منه ستجد نفسك سجينا في الأحاسيس السلبية التي ليس لها وجود إلا في الذاكرة , ولو قررت أن تعيش في المستقبل ستجد نفسك في سجن القلق .

8/ التركيز السلبي :

التركيز السلبي يجعل الإنسان يوجه كل انتباهه إلى التحدي الذي يواجهه ويلغي كل الإيجابيات الموجودة في حياته ويكرر ما يركز عليه حتى يصبح اعتقادا يسبب للشخص مشاكل لا حصر لها .

ﺍﻟﻔﻘﻲ ، ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ .(2008) .ﻗﻮﺓ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ.ﺍﻟﺮﻳﺎﺽ : ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺮﺍﻳﺔ ﻟﻠﻨﺸﺮ ﻭﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻊ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق